وأنت تتجول بأشهر جوطية لبيع الملابس المستعملة بمدينة القنيطرة المعروفة باسم “جوطية بن عباد”، تجد أمامك محلا يشكل حالة استثناء بعرضه كتبا مستعملة متعددة المجالات للراغبين في اقتنائها.
وجود محل للكتب “القديمة” وسط محلات تبيع في الغالب الملابس المستعملة أمر مثير للاهتمام والتساؤل، وذلك راجع إلى حقيقة صادمة مفادها أن القراءة ليست ضمن أولويات المواطن المغربي، وبالتالي فإن القليلون هم من استطاعوا الاستمرار في قطاع غير مضمون الأرباح.
مالك هذا المحل أحد هؤلاء والسر وراء ذلك عشقه لهذا المجال وتشجيعات المثقفين له.
خلال الجزء الثالث من حواره مع جريدة “بناصا”، يتحدث بائع الكتب المستعملة ب “جوطية بن عباد” بالقنيطرة عن مثقفين دعموه بالكتب بشكل مشروط وعن دعم رئيس مجلس القنيطرة السابق عزيز الرباح غير الكافي لتنظيم معرض للكتب المستعملة بالإقليم.
وسط الفئة المثقفة التي لا تبخل عليك بالتشجيع. هل هناك مثقفون حاولوا دعمك ماديا من أجل الاستمرار؟
نعم هناك زبناء يأتون إلى المحل بسياراتهم محملة بكراتين من الكتب ويطلبون مني بيعها لأنني بنظرهم الأولى بتقدير تلك الكتب والحفاظ عليها عوض أن تتمزق أو تتعرض للإتلاف بعدما لم يجدوا مكانا يضعونها فيه وهؤلاء يفعلون ذلك لأن الكتب “عزاز” عليهم ويشترطون علي أن أمنحها بالمجان لأي طالب ليس في مقدوره دفع ثمنها. وبذلك يضعونني أمام مسؤولية تعجبني وفي نفس الوقت تعطيني تشجيعا كبيرا.
هذا النوع من المثقفين بهذا التشجيع يريدون أن تظل كتبهم على قيد الحياة إما عن طريق بيعها أو إعطائها بدون مقابل لأي شخص عاجز عن اقتنائها. هل تتفق مع هذا الكلام؟
نعم تماما. وهناك بعض الأساتذة تعاملوا معي أو سمعوا عني يجلبون لي كتبا نادرة وسعرها مرتفع بالمجان من أجل بيعها لأنهم واعون بقيمة الكتاب ويريدونني أن يستمر، وخصوصا حينما يرون شابا يجتهد في مهنته ويحترم الكتب ويتعامل معهم كأفراد من عائلته.
هل أوضحت أكثر مسألة أنك تحترم الكتب؟
حينما يدخل أي زبون إلى المحل أراقب ما يفعل وحين أرى أنه “غا يخربق” الكتب أطلب منه التوقف وأسأله عما يبحث عنه لأنني أرتب الكتب حسب التخصصات، لكن حين أرى إنسانا “موالف” بالكتب من خلال الحفاظ على تنظيمها أفرح لذلك وأتركه على راحته ودوري يقتصر على التوجيه. وهناك أشخاص لا يحترمون الكتاب حين يأتون إلى المحل عبر طريقتهم الفوضوية في تصفح الكتب ويغادرون دون اقتناء أي شيء ولديهم نظرة احتقارية لشخص يبيع الكتب بجوطية الملابس المستعملة.
الناس عادة يأتون إلى هذه الجوطية بحثا عن ملابس ذات جودة بأثمنة معقولة. هل ينطبق نفس الكلام على الأشخاص الذي يقصدون هذه المكتبة؟
كما قلت لك سابقا، أنا لا أعتبر نفسي اخترت هذه المهنة من أجل البيع والشراء. أربح من هذه المهنة مدخولا قليلا، لكن الربح الذي أفتخر به هو علاقتي مع الناس ومعاملتهم بطيبوبة وأدعية الخير التي أتلقاها منهم. الأشخاص الذين يزورون مكتبتي يفعلون ذلك تشجيعا لي وهناك من يقولها لي مباشرة، ومن ضمنهم أساتذة معروفين وميسوري الحالي. هؤلاء يقولون لي إنه بإمكانهم الذهاب إلى مكتبات المتاجر الكبرى، لكنهم يفضلون هذا المكان تحفيزا لي على الاستمرار ويقولون لي أيضا إنهم يشعرون بالراحة وسط هذا المحل ويترجونني أن أستمر في هذا الميدان، وهم بذلك يشجعونني أكثر على الاستمرار.
حين تتحدث عن التشجيع تربطه دائما بالفئة المثقفة، لكن ماذا عن الجهات المسؤولة؟ هل حصلتم على تشجيع من طرف إحداها؟
تقدمنا بطلب إلى المجلس البلدي السابق بجماعة القنيطرة برئاسة عزيز الرباح من أجل تنظيم معرض للكتب المستعملة، وبناء على ذلك قرر دعمنا بتخصيص مكان لنا لإقامة المعرض بالساحة المقابلة لمقر المجلس، فيما نتكلف نحن بالحراس الليليين ولوازم المعرض مثل الخيمة والرفوف وطبعا ذلك يحتاج إلى مصاريف فوق طاقتنا.
غايتنا من وراء المعرض كانت هي تشجيع مدينة القنيطرة للالتحاق بمدينتي الدار البيضاء والرباط اللتين ينظم بهما معرضا سنويا للكتب المستعملة ومثل هذه المعارض في حال تم تعميمها على جميع الأقاليم من شأنها حل جزء من مشكل عدم إقبال الناس على القراءة والمعرفة.
تعليقات الزوار ( 0 )